مولده:
قال الذهبى[2]:
مولده فيما قاله خليفة بن ابن صالح : فى سنة خمسين ، و فيما قاله خليفة بن خياط :
سنة إحدى و خمسين.
و روى عنبسة : حدثنا يونس بن يزيد عن ابن شهاب ( أى : الزهرى ) قال : وفدت إلى
مروان و أنا محتلم ، فهذا مطابق لما قبله.
قلت : مروان هو ابن الحكم بن أبى العاص أبو عبد الملك الأموى ، ولى الخلافة فى
آخر سنة أربع و ستين ، و مات سنة خمس و ستين ، وله ثلاث أو إحدى و ستون سنة . فقول
الزهرى : وفدت عليه و أنا محتلم يعنى : و قد بلغ العام الثالث عشر أو الرابع عشر من
عمره ن فهذا يؤيد أن مولده سنة إحدى و خمسين أو قبلها .
قال الذهبى : و أبى ذلك يحيى بن بكير، و قال : ولد سنة ست و خمسين ، حتى قال له
يعقوب الفسوى : فإنهم يقولون :إنه قد وفد إلى مروان ، فقال : هذا باطل ، إنما خرج
إلى عبد الملك بن مروان ، و قال : لم يكن عنبسة موضعاً لكتابة الحديث .
قلت : قال الحافظ فى التقريب[3]:
عنبسة بن خالد بن يزيد الأموى، صدوق من التاسعة ، و ساق الحافظ فى التهذيب[4]
كلام يحيى بن بكير و لم يتعقبه ، و ذكر فى ترجمة عنبسة أنه قد أخرج له البخارى
مقروناً بغيره ، و أبو داود .
شيوخه :
قال ابن أبى حاتم فى الجرح و التعديل[5]
: روى عن أنس بن مالك ، و سهل بن سعد ، وأبى الطفيل ، و السائب بن يزيد، و عبد الله
بن ثعلبة بن صعير، و محمود بن الربيع، و عبد الرحمن بن أزهر، و رأى ابن عمر، و روى
عن أبان بن عثمان ، و لم يسمع منه، و غيرهم .
وروى عنه :
عراك بن مالك ، و أخوه عبد الله بن مسلم ، و بكير بن الأشج ، و منصور بن المعتمر،
وعمرو بن شعيب ، و يحيى بن سعيد الأنصارى ، و صالح بن كيسان، و سليمان بن يزيد ،
وعقيل ، و الأوزاعى ، و الزبيدى ، و غيرهم .
نشأته :
قال ابن سعد فى الطبقات الكبرى[6]
: أخبرنا محمد بن عمر قال : حدثنا عبد الرحمن بن عبد العزيز، قال : سمعت الزهرى
يقول : نشأت و أنا غلام لا مال لى مُقطعاً من الديوان ، و كنت أتعلم نسب قومى من
عبد الله بن ثعلبة بن صعير العذرى. و كان عالماً بنسب قومى ، و هو ابن أختهم و
حليفهم ، فأتاه رجل فسأله عن مسألة من الطلاق ، فعيى بها ، و أشار له إلى سعيد بن
المسيب ، فقلت فى نفسى : ألا أرانى مع هذا الرجل المسن ، يعقل أن رسول الله -
صلى الله عليه و سلم -
مسح على رأسه ، و هو لا يدرى ما هذا! فانقطعت مع السائل إلى سعيد بن المسيب فسأله ،
فأخبره ، فجلست إلى سعيد ، و تركت عبد الله بن ثعلبة ، و جالست عروة بن الزبير، و
عبيد الله بن عبد الله بن عتبة ، و أبا بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام حتى
فقهت . فرحلت إلى الشام ، فدخلت مسجد دمشق فى السحر، فأممت حلقة و جاه المقصورة
عظيمة فجلست فيها ، فنسبنى القوم ، فقلت : رجل من قريش من ساكنى المدينة ، فقالوا
: هل لك علم بالحكم فى أمهات الأولاد؟ فأخبرتهم بقول عمر بن الخطاب فى أمهات
الأولاد . فقال لى القوم : هذا مجلس قبيصة بن ذؤيب ، وهو جائيك ، و قد سأله عبد
الملك عن هذا، و سألنا فلم يجد عندنا فى ذلك علماً ، فجاء قبيصة فأخبروه الخبر،
فنسبنى فانتسبت ، و سألنى عن سعيد بن المسيب و نظرائه فأخبرته ، قال : فقال أنا
أدخلك على أمير المؤمنين ، فصلى الصبح ، ثم انصرف فتبعته ، فدخل على عبد الملك بن
مروان ، و جلست على الباب ساعة حتى ارتفعت الشمس ، ثم خرج فقال : أين هذا المدينى القرشى
؟ قال : قلت : هأنذا، قال: فقمت حتى دخلت معه على أمير المؤمنين ، قال : فأجد بين
يديه المصحف قد أطبقه ، و أمر به يرفع ، و ليس عنده غير قبيصة
جالس ، فسلمت عليه بالخلافة . فقال : من أنت؟ قلت: محمد بن مسلم بن عبيد الله بن
عبد الله بن شهاب بن عبد الله بن الحارث بن زهرة. فقال : أوه ، قوم نعارون فى الفتن ، قال : و كان
مسلم بن عبيد الله مع ابن الزبير . ثم قال : ما عندك فى أمهات الأولاد ؟
فأخبرته ، فقلت : حدثنى سعيد بن المسيب ، فقال : كيف سعيد ، و كيف حاله ؟ فأخبرته ،
ثم قلت : و حدثنى أبو بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام ، فسأل عنه ، قلت : و
حدثنى عروة بن الزبير، فسأل عنه ، فقلت : و حدثنى عبيد الله بن عبد الله بن عتبة،
فسأل عنه ، ثم حدثته بالحديث فى أمهات الأولاد عن عمر بن الخطاب.. قال : فالتفت إلى
قبيصة بن ذؤيب . فقال : يكتب به فى الآفاق .
قال : فقلت : لا أجده أخلى منه الساعة ، و لعلى لا أدخل عليه بعد هذه المرة
، فقلت : إن رأى أمير المؤمنين أن يصل رحمى ، و أن يفرض لى فرائض أهل بيتى ، فإنى
رجل مقطع لا ديوان لى فعل ، فقال : إيها الآن ! امض لشأنك. قال: فخرجت و الله
مؤيساً من كل شئ خرجت له ، و أنا و الله حينئذ مقل مرمل ، فجلست حتى خرج قبيصة
فأقبل على لائماً لى ، فقال : ما حملك على ما صنعت من غير أمرى ألا استشرتنى ؟ قلت
: ظننت و الله أن لا أعود إليه بعد ذلك المقام ، قال : و لم ظننت ذاك ؟ تعود إليه ،
فالحق بى ، أو قال : إيتنى فى المنزل. قال فمشيت خلف دابته و الناس يكلمونه حتى دخل
منزله ، فقل ما لبث حتى خرج إلى خادم برقعة فيها : هذه مائة دينار قد أمرت لك بها ،
و بغلة تركبها ، و غلام يكون معك يخدمك ، و عشرة أثواب كسوة، قال : فقلت للرسول :
ممن أطلب هذا ؟ فقال : ألا ترى فى الرقعة اسم الذى أمرك أن تأتيه ؟ قال فنظرت فى
طرف الرقعة ، فإذا فيها : تأتى فلاناً فتأخذ منه ذلك ، قال: فسألت عنه ، فقيل : ها
هو ذا، هو قهرمانُهُ ، فأتيته بالرقعة ، فقال : نعم ، فأمر لى بذلك من ساعته ،
فانصرفت وقد ريشنى و جبرنى ، قال : فغدوت إليه من الغد ، و أنا على بغلته و سرجها،
فسرت إلى جانبه ، فقال احضر باب أمير المؤمنين حتى أوصلك إليه قال : فحضرت للوقت
الذى وعدنى له فأوصلنى إليه ، و قال : إياك أن تكلمه بشىء حتى يبتدئك ، و أنا أكفيك
أمره . قال : فسلمت عليه بالخلافة فأومأ إلى أن اجلس ، فلما جلست ابتدأ عبد الملك
الكلام ، فجعل يسألنى عن أنساب قريش ، و هو كان أعلم بها منى ، قال : و جعلت أتمنى
أن يقطع ذلك لتقدمه على فى العلم بالنسب ، قال : ثم قال لى: فرضت لك فرائض أهل بيتك
، ثم التفت إلى قبيصة فأمره أن يثبت ذلك فى الديوان ، ثم قال : أين تحب أن يكون
ديوانك ، أمع أمير المؤمنين ها هنا ؟ أم تأخذه ببلدك ، قال : قلت : يا أمير
المؤمنين ، أنا معك ، فإذا أخذت الديوان أنت و أهل بيتك أخذته ، قال : فأمر
بإثباتى، و بنسخة كتابى أن يوقع بالمدينة ، فإذا خرج الديوان لأهل المدينة قبض عبد
الملك بن مروان و أهل بيته ديوانهم بالشام .
قال الزهرى : ففعلت أنا مثل ذلك ، و ربما أخذته بالمدينة ، لا أصد عنه . قال : ثم
خرج قبيصة بعد ذلك ، فقال : إن أمير المؤمنين قد أمر أن تثبت فى صحابته ، و أن يجرى
عليك رزق الصحابة ، و أن ترفع فريضتك إلى أرفع منها فالزم باب أمير المؤمنين ، قال
: و كان على عرض الصحابة رجل فظ غليظ يعرض عرضاً شديداً ، قال : فتخلفت يوماً أو
يومين فجبهنى جبهاً شديداً ، فلم أعد لذلك التخلف ، و كرهت أن أقول لقبيصة شيئاً
فى أول ذلك ، و لزمت عسكر عبد الملك ، و كنت أدخل عليه كثيراً ، قال : و جعل عبد
الملك فيما يسألنى يقول : من لقيت ؟ فجعلت أسمى له ، و أخبره بما لقيت من قريش ،لا
أعدوهم ، فقال عبد الملك : فأين أنت عن الأنصار ؟ فإنك واجد عندهم علماً، أين أنت
عن ابن سيدهم خارجة بن زيد بن ثابت ؟ أين أنت عن عبد الرحمن بن يزيد بن جارية ؟ قال
فسمى رجالاً منهم ، قال: فقدمت المدينة فسألتهم و سمعت منهم ، يعنى الأنصار ، وجدت
عندهم علماً كثيرا ً، قال : و توفى عبد الملك بن مروان ، فلزمت الوليد بن عبد الملك
حتى توفى ، ثم سليمان بن عبد الملك ، و عمر بن عبد العزيز، و يزيد بن عبد الملك -
فاستقضى يزيد بن عبد الملك على قضائه الزهرى ، و سليمان بن حبيب المحاربى جميعا ً-
قال : ثم لزمت هشام بن عبد الملك . قال : و حج هشام سنة ست و مائة ، و حج معه
الزهرى ، فصيره هشام مع ولده يعلمهم و يفقههم و يحدثهم و يحج معهم ، فلم يفارقهم
حتى مات بالمدينة .
أخبرنا سليمان بن حرب ، قال : حدثنا حماد بن زيد، عن معمر قال : أول ما عرف
الزهرى أنه كان فى مجلس عبد الملك بن مروان ، فسألهم عبد الملك ، فقال : من منكم
يعلم ما صنعت أحجار بيت المقدس يوم قتل الحسين ؟ قال : فلم يكن عند أحد منهم من ذلك
علم ، فقال الزهرى: بلغنى أنه لم يقلب منها يومئذ حجر إلا وجد تحته دم عبيط ، قال :
فعرف من يومئذٍ.
و قال الذهبى فى السير[7]:
قال ابن وهب : حدثنى يعقوب بن عبد الرحمن ، قال :رأيته رجلاً قصيراً، قليل
اللحية ، له شعيرات طوال ، خفيف العارضين . يعنى : الزهرى .
معن بن عيسى .عن ابن أخى الزهرى ، قال : جمع عمى القرآن فى ثمانين ليلة .
الحميدى عن سفيان : قال : رأيت الزهرى أحمر الرأس و اللحية ، فى حمرتها انكفاء ،
كأنه يجعل فيها كتما ، و كان رجلاً أعيمش.. و له جمة ، قدم علينا ثلاث و عشرين و
مائة فأقام إلى هلال المحرم سنة أربع ، و أنا يومئذ ابن ستة عشرة سنة .
معمر عن الزهرى ، قال : مست ركبتى ركبة سعيد بن المسيب ثمانى سنين .
الزبير فى النسب له : حدثنى محمد بن حسن، عن مالك ، عن ابن شهاب ، قال :
كنت أخدم عبيد الله بن عبد الله ، حتى إن كنت أستقى له الماء المالح ، و كان يقول
لجاريته : من بالباب ؟ فتقول: غلامك الأعمش .
ابن أبى الزناد ، عن أبيه ، قال : كنا نكتب الحلال و الحرام ، و كان ابن شهاب
يكتب كل ما سمع . فلما احتيج إليه . علمت أنه أعلم الناس ، و بصر عينى به ، و معه
ألواح أو صحف ، يكتب فيها الحديث ، و هو يتعلم يومئذ. و عن أبى الزناد . قال : كنت
أطوف أنا و الزهرى ، و معه الألواح و الصحف ، فكنا نضحك به .
ابن وهب ، عن الليث : كان ابن شهاب يقول : ما استودعت قلبى شيئاً قط فنسيته ،
و كان يكره أكل التفاح ، و سؤر الفأر، و كان يشرب العسل ، و يقول : إنه يذكر ،
ولفائد بن أقرم يمدح الزهرى :
ذر ذا وأثن على الكريم محمد
و اذكر فواضله على الأصحاب
و إذا يقال : من الجواد بماله ؟
قيل : الجواد محمد بن شهاب